قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4]، وعن أَنسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: “كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحْسنَ النَّاسِ خُلقًا“. (متفقٌ عَلَيْهِ)، وجاء في الحديث الصحيح، عن سيدنا أسامة بن شريك -رضي الله عنه- قال: “كنا جلوسًا عند النَّبيِّ ﷺ كأنما على رؤوسنا الطيرُ ما يتكلم منا مُتكلِّمٌ إذ جاءه أناسٌ فقالوا من أَحَبُّ عبادِ اللهِ إلى اللهِ تعالى؟ قال: أَحسنُهم خُلُقًا“. (أخرجه ابن ماجه، وأحمد رحمهما الله)، ويعرف حُسْنُ الخُلُق في الاصطلاح الشرعي: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن، ومدارة للغضب، واحتمال الأذى.
حسن الخلق هو مفهوم يعبر عن الأخلاق الحسنة والسلوك الحميد، يُعرف حسن الخلق بمعاملة الناس بالأخلاق الحسنة، وذلك من خلال التصرف بالطرق المباحة شرعًا والمعاشرة الحسنة والجميلة، ويشمل حسن الخلق سماحة الوجه، لين الجانب، اللطف، ومقابلة السيئة بالحسنة، ويعتبر حسن الخلق أحد أهم القيم في الإسلام، حيث يُؤجر الإنسان على فعله والتمثل به، ويرتبط حسن الخلق بتقديم الجميل، وكف الأذى، والتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، ويعتبر صاحب الخلق الحسن شخصًا يتصف بالأخلاق الحميدة بتلقائية، ويحظى بتقدير الآخرين.
وفي الإسلام، يُعتبر حسن الخلق من أثقل الأعمال في ميزان الإنسان يوم القيامة، فيجعله الله -سبحانه وتعالى- ميدانًا للتنافس بين المسلمين لتحصيل أكبر قدرٍ منها، لذا، يجب أن يكون الإنسان حسن الخلق في تعامله مع الآخرين، وأن يتصف بالصدق، اللين، والرفق، وقال ﷺ: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا». (رواه الترمذي)، وقال ﷺ: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا». (رواه الترمذي)، وقال ﷺ: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ». (رواه الترمذي).
وحسن الخلق الإنساني مقترن بعدة صفات وقيم ومبادئ، توجه تصرفاتنا وتحكم تعاملنا مع الآخرين، مثل: الصدق والأمانة: فالصدق هو أساس حسن الخلق. فيجب أن يكون الإنسان صادقًا في أقواله وأفعاله، وأن يحترم العهود والوعود التي يقطعها، والأمانة أيضًا تعكس حسن الخلق، فالشخص الأمين يحظى بثقة الآخرين.
واللطف واللين: فاللين والرفق أساس أسلوب القلوب النقية، فيجب أن يكون الإنسان لطيفًا في كلامه وتصرفاته، وأن يعامل الناس برفق، وحنان، ورحمة، وتسامح.
والعدل والإنصاف: إذ يجب أن نعامل الجميع بالعدل ونحترم حقوقهم، دون تفريط أو تحيز، والتواضع والاعتدال: التواضع هو أسلوب العظماء، وهو أن يكون الإنسان متواضعًا في تعامله مع الناس وفي تقدير نفسه. العفو أيضًا يعكس حسن الخلق، فالشخص الذي يعفو عن الآخرين يظهر قوة الإرادة والرحمة، والشكر والامتنان: فيجب أن نقدر النعم التي أنعم الله بها علينا، ونعبر عن شكرنا وامتناننا.
أما الصبر والإحسان: فالصبر هو مفتاح النجاح، وهو أن يكون الإنسان هادئًا في مواجهة الصعاب والمشاكل، والإحسان هو أن يكون الإنسان محسنًا في تعامله مع الآخرين، وأن يقدم الجميل دائمًا، والاحترام والتقدير: فحسن الخلق يتضمن احترام الآخرين وتقديرهم، فيجب أن يكون الإنسان محترمًا في تعامله مع الجميع، بغض النظر عن اختلافاتهم.
وهذا فيه الحثّ على إحسان الخلق والترغيب فيه، والتحذير من التَّشدق والتَّعظم بما لا يُفيد والتفيهق، فالثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون هم أهل الكبر والتَّكلف، ويُعتبر حسن الخلق مؤشرًا على بقاء الأمم أو انهيارها، إذا أوشكت أخلاق أمة على الانهيار، فإن كيانها سينهار.
حسن الخلق هو جوهر الإنسانية، وهو مفتاح السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة، ويفتح أبواب القلوب ويجمع الناس، إنه ليس مجرد سلوكٍ حسن، بل هو أسلوب حياةٍ ينبغي أن يتبعه الإنسان في تعامله مع الآخرين وفي كل جوانب حياته، فليكن تعاملنا مع الناس يخلقٍ حسن، ولنقم ببناء مجتمع يسوده الخير والتسامح، قوامه الأخلاق، أشخاصه على خلقٍ حسن، يخالقون الناس به، لنبنيَ جسورًا من المحبة والتفاهم، وبها نكسب حب رب العباد، والقرب من سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.