تحدث حتى أراك…

قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، وقال ﷺ: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ).

 

كان سقراط يجلس بين تلاميذه وكانوا يتبادلون الكلام فيما بينهم يأخذون ويردون على سقراط وهو يصحح ويقيِّم ويعلم، ويخوضون في موضوعات شتى مختلفة ومتنوعة بعدد تشعب الآراء واختلاف طرق الدنيا من حولهم، لكن في هذه الدائرة التي يتعالى منها الكلام كأنها رحى حرب وتتطاير الأفكار بين الأستاذ والتلاميذ، وجاء أحدهم وهو يتبختر في مشيه، يزهو بنفسه، وسيمًا بشكله، فنظر إليه سقراط مطولًا، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت مثلًا.

 

وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:”الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام“؛ ليعيد تشكيل المعنى نفسه الذي قصده سقراط من قبل، والثقافات الإنسانية تمتلئ بهذه التنويعات على هذا المعنى أيضًا، إذن للكلام فائدة أخرى غير الثرثرة وغير توصيل المعنى والإفهام والتعبير عن المتطلبات التي يريدها الرجل من غيره، إنها شخصية الإنسان، الكلام يحدد أي الرجال أنت، أعاقل أم أحمق، أمتزن أم متهور، أحكيم أم جاهل، أمسؤول أم عالة، أصاحب رأي أم إمعة إن قال الناس قلت وإن صمتوا سكتت.

 

حولنا الكثير ممن يختبئون خلف أقنعة مزيفة، إما منصب أو درجة علمية أو نسب أو جاه ومال أو جمال، وقد ننبهر بهم ونعتقد أنهم المثل الأعلى أو من يجب أن نتبعهم أو نقلدهم أو نحتكم إليهم، لكن المواقف كفيلة بأن تعري وجوههم الحقيقية، فلن أراك بعيني على حقيقتك بل سأراك بأذني عندما تتكلم، حيث تظهر ثقافتك وتربيتك وتعليمك من خلال ما تتحدث به لأنه يُخرج ما بداخلك سواء من عقلك أو قلبك بدون تزييف، فالحكمة أن نحكم على الناس من خلال التجارب التي نعيشها معهم في المواقف ومن خلال ردود أفعالهم وطريقة تصرفهم والتعبير والحديث لا بالمناظر الخارجية من منصب أو درجة علمية أو نسب وغيره، وقد يندم الإنسان على كلمة أو عبارة قالها وتغيرت نظرة الناس له خاصة وإن كانوا يعتقدون به الخير والرقي، فكلامك هو مرآتك وهو ما يشاهده الناس فيك فكن حريصًا على ما تقوله فقد يُدينك ويخرجك عن التوقعات أو يؤثر سلبيًا في نفس أحد فتسبب له الإحباط والخذلان.

 

 

قال ﷺ: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»؛ فاحرص على الرقي في التعامل واختر الكلمات المناسبة التي لا تؤذي بل ترفع من شأنك وتظهر حقيقتك بالشكل الحسن والذي يعبر عن مستواك الفكري أو التعليمي، حيث جميعنا مسؤولين عن النهوض بالمجتمع، والارتقاء بالأمة، وتعميق القيم النبيلة فيما بيننا، إلى جانب تعليم أبنائنا أن قيمة الإنسان فيما يملكه من أفكار بناءة ومعرفة واسعة وخلق رفيع وأسلوب حسن في التعامل الفعلي أو الحديث، لا فيما يحوزه من مال أو جمال أو نفوذ.
وتذكر: الناس تراك من كلامك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *