قال ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، وقيل في القدم (في الصمت البلاغة)، يتبيّن لنا من هذا القول الأهمية الكبرى للصمت، حيثُ إنهُ قد يكون في بعض الأحيانِ أكثر تأثيرًا من الكلام في إيصالِ المشاعر والأحاسيس، وفي المثل: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، ومن أقوال أرنست همنغواي: (يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين سنة ليتعلم الصمت)، وغيرها كثير من الدلالات على أن للصمت في بعض المواقف محاسن كبيرة ومعانٍ أكثر من الكلام.
أصبحت الانطوائية والميل إلى السكوت مرض، وتنهال على صاحبه الأوصاف السيئة تارة والساخرة تارة أخرى، من معقد ومنغلق ومحدود الفكر وكئيب، ويصادف أغلبنا في حياته اليومية عدة مواقف مشابهة، فعندما أتصادم مع شخص بالكلام وأصل معه لحوار عقيم فأتخذ الصمت بديلًا الكلام والرد، يتبادر إلى ذهن الآخر أو الذين من حولنا أنه انتصر علي أو أني لا أستطيع الرد عليه أو أي وجهة نظر أخرى، ولكني في الحقيقة آثرت الصمت جوابًا له.
ويعتقد البعض أن صمتي هو عدم معرفتي بالأمور، لكن قد يكون الأمر مختلفـًا، فصمتي لا يعني جهلي!، قد يكون الحديث لا يستحق الكلام أو غير مفيد أو لا جدوى منه خاصة إذا كان الطرف الآخر متمسكًا بكلامه أو رأيه ولا مجال للتغيير، وقد يكون صمتي احترامًا لشخص أكبر مني تقديرًا لعمره.
أيضـًا هناك من يصمُتون لأن أفكارهم وقلوبهم امتلأت بالمشاعر فأصبحت الكلمات عاجزة عن التعبير عنها، فلا توجد كلمات تعبّر عن تلك المعاني التي تَفيض بها مشاعر الإنسان أحيانـًا! قيل: “إذا رأيتَ إنسانـًا عاجزًا عن الكلام، فاعلم أنه لا يُريد التعبير عمّا بداخله لأنه أكبر من الكلمات”، فالمواقف قد تجبرك على الصمت لأن أحيانًا يكون الكلام بركان ثائر والصمت يخمده.
مرات قد يكون في الكلام راحة، وأحيانًا يكون في الصمت الفضيلة، وحده الصمت هو الذي يخلو من الكذب، ففي حضرة الصمت تسكن كل الأصوات من حولي تنطلق أصوات أخرى، فلا تحكم على أحد دون أن تعطيه فرصة الدفاع وشرح موقفه، كما لا ينبغي أن نركز على الجوانب المظلمة في نفوس من نتعامل معهم، بل نسعى للاهتمام بالجوانب المضيئة فيها، فننميها ونلتمس الأعذار لهم، فربنا رب القلوب وهو الأعلم بالنوايا.
أيهــــا المــــرء لا تقـــولنّ قــــولا * * لست تـدري مـــــاذا يجيئك منــــه
وأخزن القول إنّ في الصمت حُكما * * وإذا أنــــت قلـــــت قـولا فــــزنـه
وإذا النـــاس أكثـــروا في حــديث * * ليس ممــــا يــــزينهم فــالـْهُ عنـــه.