قاربي الجديد…

عام مضى وعام أتى، عام مضى شهيد، وعام أتى جديد، عام مضى لكنه لم يمضِ هكذا، بل مضى بأقوام معه، كم أخذ من أحباب وكم خُلقوا فيه من أطفال.

 

عام مضى كأنما يقول للشارد: عد، وللغافل: تنبه، وللمسرف: يكفيك ما فرطت في جنب الله، كأنما يقول لمن ران على قلبه الران وأغواه الشيطان: تداركْ ما بقي من عمرك قبل أن ترحل كما رحل غيرك، واعتبر برحيل غيرك قبل أن يعتبر الناس بك.

 

سامح وإياك أن تحزن أو تفرح بذلك، كن راضيًا مبتسمًا كهلالٍ يتحدى عتمة الليل، واعلم أن الصفح ونسيان الإساءة صعب، ولذلك فثماره في الدنيا والآخرة عظيمة وغالية، قال الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[فصلت: 34].

 

عش ما شئت فإنك ميت، هذه هي النهاية التي لابد منها، مهما امتد العمر وطال لا بد من الرحيل.

 

حياتنا كالقارب نسير به ونحمل فيه كل أمور حياتنا، في عباداتنا وأحلامنا وأهدافنا وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية مع أصدقائنا، وفي أفراحنا وأحزاننا وفي أمور كثيرة، تلك الكثرة التي تُعيق القارب في مواصلة مسيرته والإبحار قدما، فزيادة الوزن قد تغرق القارب، وانشغالنا بها قد يشتتنا عن التركيز في مسارنا فلا نصل لمرادنا ولا نحقق أهدافنا، لذلك نحتاج إلى إفراغ الحمولة لنستطيع الوصول إلى بر الأمان وبأقل الخسائر.

 

مضى عامي الماضي بحلوه ومره وفرحه وحزنه ونجاحه وإخفاقه، حققت ما مكنّي الله به من أهداف، فرحت مع الكثير وغضبت من بعضهم وتشاجرت مع بعضهم الآخر، فمازلت من بني البشر لست ملاك ولا نبي ولا معصوم، لكنني وصلت إلى النهاية وتوقفت في المرفأ لأنتقل إلى عام جديد بقارب جديد.

 

إلى كل من يعرفني من قريب أو من بعيد، قد تركت جميع أحزاني وأخطائي ومشاكلي وفشلي في عامي القديم، فقد تعلمت عثراتي واستفدت من زلاتي، وها أنا أبحر لعامي الجديد بقارب جديد، بأهداف جديدة، بصفاء قلب جديد، مع عفو وصفح ومسامحة، وآمل أن تبادلوني نفس المشاعر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *