العيد من شعائر ديننا الإسلامي تتجلى فيه مظاهر العبودية لله، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب﴾، وقال تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك“.
وتظهر في العيد معانٍ اجتماعية، وإنسانية، ونفسية، فالجميع يُلبي نداء صلاة العيد، وأيدٍ تتصافح، وقلوب تتآلف، أرواح تتفادى، ورؤوس تتعانق، تتألق على شفاههم الابتسامة الصادقة وتلهج ألسنتهم بالكلمة الطيبة والتهنئة العطرة، ود وصفاء، وأخوة ووفاء، لقاءات تغمرها حرارة الشوق، واللقاء، والمحبة، والنقاء.
يقول ابن تيمية -رحمه الله- : فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره، اتفاقًا واجتماعات وراحة، ولذة وسرورًا، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به، فلهذا جاءت الشريعة في العيد، بإعلان ذكر الله تعالى فيه، حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك، ما ليس في سائر الصلوات، وأقامت فيه من تعظيم الله وتنزيل الرحمة فيه (خصوصًا العيد الأكبر) ما فيه صلاح الخلق، كما دل عليه قوله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾.
أما حالنا اليوم أصبح العيد يرسم لنا صورة مختلفة عن مظاهر العيد سواء فيما ذكر كتشريع أو كما تعودنا عليه من عادات وتقاليد، من تواصل واجتماع للأهالي وعودة المسافرين والتجمع في بيت الأب أو الجد، وأصبحنا نورث أبناءنا العادات الجديدة، مثل السفر للخارج للتنزه والسياحة، فقل من يضحي ومن يصلي في مصليات العيد (خاصة صلاة عيد الأضحى) ومن يصل أرحامه، فأصبحت المنازل والمجالس مهجورة في العيد والمعايدات اقتصرت على رسالة في الواتساب أو إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، فضاع طعم العيد.
وهناك من يجتمع للتوثيق والتصوير ونشر الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ليظهر للناس صورة من جمعتهم وتآلفهم المزيف الذي يحده إطار صورة الهاتف فقط، فهم مجتمعين بالأجساد وكل لاهٍ بهاتفه وعالمه الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي الخاص به وأصبح عيدهم في شاشات هواتفهم.
وعلى النظير مازالت هناك عوائل تجتمع في بيت العائلة (البيت الكبير) حيث يتواجد الكبير والصغير من إخوان وأخوات وأرحام وأسباط، ويذبحون أضاحيهم بنفسهم أو بإشرافهم، والفتيان يساعدون في تقطيع الأضحية وتوزيعها، والنساء تعمل على الطبخ والشواء، والصغار يلعبون، ويسود بيتهم البهجة والسرور.
فلنحاول ألا تحرمنا سفرياتنا وبرامج مواقع التواصل الاجتماعي من شعائر فرضها الله لتكون مناسبة للبهجة والسرور والأجر ومناسبة للتجمع وصلة الرحم، فالسفر لن ينتهي والإجازات كثيرة ومواقع التواصل الاجتماعي لن تغلق وإن أغلقت ستفتح غيرها، والناس من حولنا لا يهمهم عيدنا كي نوثقه لهم، لنستمع بعيدنا وهم سيستمعون بعيدهم، فالخوف من أن يكبر جيل ويتصور أن العيد هو عبارة عن فرصة للسفر أو مناسبة لنشر الصور والفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي.