يعتبر انحراف قوم نوح -عليه السلام- أول انحراف عقدي على وجه الأرض وكان السبب في ذلك كما يقول ابن جرير الطبري: إنه كان قومًا صالحين بين آدم ونوح وهم (وَدًّا، سُوَاعًا، يَغُوثَ، يَعُوقَ، ونَسْرًا)، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم لو صورناهم كان أشوق لنا للعبادة إذا ذكرناهم فصوروهم.
فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم وأصبح لكل صنم من هذه الأصنام عبيد مخصصون له من الناس ولما تطاولت العهود والأزمان جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جدًا.
والآن يعود إبليس لنفس خطته السابقة لعبادة الأصنام وإلى تضليل العباد ولعلمه بميول واهتمام وشغف بعض من الجيل الحالي بالمغنيين والمغنيات وابتعد بعضهم عن أمور الدين، كان له الطريق ممهدًا لتجديد تنفيذ خطته السابقة، فبدأت الأجيال بمتابعة أخبار المغنيين والمغنيات والحرص على حضور حفلاتهم الغنائية ومعرفة عاداتهم وتقاليدهم وخصوصياتهم وهناك من يقتدون بهم ويغيرون من شخصيتهم وأسلوبهم ليصبحوا مثلهم، وبعد أن انتهى إبليس من تركيز هذه العقائد فيهم انتقل للمرحلة الثانية.
فتطور الانحراف لمرحلة أكبر وهي تعليق صورهم في الغرف والمنزل وتطبع على الملابس وفي أغلب المستلزمات الشخصية الخاصة مثل الدفاتر ونوتة الاتصال والهدايا وغيرها الكثير، ووصل التطور إلى صناعة الصور البارزة التي تجسد الشكل أو الجسد كامل للمغنيين والمغنيات، ومع مواكبة التقدم السريع في التقنية أصبحت ترافقهم في جوالاتهم وأجهزتهم الإلكترونية بحفظ الكم الكبير من الصور ومقاطع الفيديو والصوت، بل هناك من يجعلوا نغمة الاتصال في جوالهم بمقطع من مقاطع الأغنية، وبوصول الشباب لهذه المرحلة من الاتباع بدأ إبليس التجهيز للمرحلة الثالثة.
وبعد أن اطمأن إبليس من نجاح المرحلتين السابقتين بدأ يغرس في نفوسهم تقديسهم والغيرة والحرقة عليهم من الذين يستهزؤون بهم أو يعيبونهم أو يشتموهم، وأصبحوا يقيمون المنصات الإلكترونية كتجمع مناصر لهم واللقاءات الدورية لذكراهم والاحتفال بهم، وإعادة إحياء أغانيهم، وتنظيم حفلات تكريم من يتبعهم، أو يغني أغانيهم، ومنهم من يقول أن الأغنية الفلانية للمغنية الفلانية كانت السبب في زواجي وسعادتي، بل هناك من ينوي الحج والعمرة لهم ويتصدق باسمهم، فسلموا أنفسهم وعقولهم لإبليس ليتحكم بها وإعطائه مفاتيح المرور للمرحلة الرابعة.
وصل بهم إبليس لمرحلة جديدة متطورة لم تكن ممكنة في العهد القديم وهي عمليات التجميل، فمع التقدم في العلم والعمليات الجراحية ذهب بعضهم إلى إجراء عمليات التجميل للتغيير في خلقة الله لكي يصبح شبيه المغني الفلاني أو شبيهة المغنية الفلانية، لتعلقهم وحبهم بهم ويستمر إبليس في التضليل لبدأ المخطط الفعلي للانحراف عن عبادة الله بتدشين المرحلة الخامسة.
توجد الآن في الأسواق وفي بيوتنا أصنام للمغنيين والمغنيات تباع تحت اسم مجسمات تذكارية للفنانة الفلانية مع الفرقة الموسيقية، أصنام حقيقية بكامل صفاتها لكن اختلف المسمى من أصنام إلى مجسمات، تقدم كهدايا تذكارية أو تُشترى لتوضع في الغرف أو المنازل كديكور حبًا للمغنية الفلانية، وهنا انتهى إبليس من التمهيد وبدأ أول مراحل الانحراف عن عبادة الله، بوضع الأصنام بهدف الحب فقط، ثم سيعيد إبليس سلسلة الانحراف التي تمت في العهد القديم منذ زمن.
قد يرى البعض أني أبالغ وأني أعطي الموضوع أكبر من حجمه، لكن لو تتبعنا مع المراحل التي تحدث الآن نجدها مطابقة لما حدث في الصالحين في الزمن البعيد، وأن أصنامهم خير من أصنامنا حيث كانت لرجال صالحين في الأصل يعبدون الله أما أصنامنا نشأت على مغنيين ومغنيات بعيد عن العبادة أساسًا، ولا خير في الأصنام جملة وتفصيلًا.
هم أشركوا بعبادة أصنامهم وكفروا بعبادة الله وشبابنا بحمد الله مازالوا في الطريق الصحيح ومسلمين ولا يقارنوا بهم بتاتًا لكن الخوف من التمادي والوصول لما وصل إليه المشركون.
فلنحرص على متابعة أبنائنا وبناتنا من الانجراف لأهداف إبليس وعدم الغلو في محبة المغنيين والمغنيات فقد سبقونا أقوام غالوا في حب الصالحين حتى عبدوهم من دون الله.
ويقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾