عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: «إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» [محمد:22- 23]. (متفقٌ عَلَيهِ).
بدءًا من بر الوالدين وترابط الأخوة وصولًا بجمع الأقارب والأرحام، وتكمن أهمية هذا الأمر في تحقيق التكافل والتعاون ونشر المحبة والإيجابية، فلا يُوجد أجمل من زيارة الأقارب والاطمئنان عليهم، ففي ذلك جبر للخواطر لنيل الأجر والثواب، وصلة الرحم بمثابة الحَبل الوثيق الذي يربط بين لآلئ عقدٍ واحد، فالإحسان إلى ذوي القربى فعل محمود واجب، يُمتّن الصلة بين الأهل ويجمعُ فُرقتهم، ويُقرّب بعيدهم، حتى إذا اجتمعوا كانَ الوِدُّ والعطف، وإذا تآلفوا على مأكلٍ واحد تمايلتْ الأُلفةُ بينهم، كما أنها دلالة على مروءة الفرد وأخلاقه الحميدة وشيمه الرفيعة.
وصلة الأرحام كصلة أعضاء البدن الواحد، فبهذه الصلة تتحقق سلامة البدن وقوته، كما أنه باختلالها أو فقدانها يصير البدن ضعيفًا عاجزًا، ثم لا يلبث أن يكون جثة هامدة، وقد جاء التحذير من تقطيع الأرحام، وعقوق الوالدين في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة، وذلك لما في العقوق من فقدان المودة والمحبة بين أفراد الأسرة الواحدة، بل أفراد المجتمع كله، وإن عقوق الوالدين والأقربين، الذين هم أولى بالمعروف، يسد منافذ الخير، ويفتح منافذ الشر ويجلب العداوة والشقاق بين أفراد الأسرة والمجتمع كله، فلا يكون ثمة تواصل أو تعاطف وتراحم يجمع بينهم، وإنما يكون التقاطع والتدابر والتزاحم، وما أكثر المفاسد والمضار التي تترتب على تعطيل هذا الحق، والتخلي عن هذا الخلق الكريم من غياب آثار الرحمة، والبر، والمواساة، والتعاون المجتمعي، وإذا سيطر العقوق والجحود على المجتمع شاعت فيه مظاهر القسوة، والعداوة، والبغضاء وصارت كالمرض الخبيث ينتقل من فردٍ لفرد، ومن جيلٍ لجيل.
تمسكوا بأحبتكم جيدًا، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم فقد ترحلون أو يرحلون يومًا وفي القلب لهم حديث وشوق، وعلموا أطفالكم صلة الأرحام واحترام الكبار والعطف على الصغار، فصلة الرحم من الأمور الواجبة على الإنسان وهي من العبادات الجليلة، ففيها امتثال لأمر الله -عزَّ وجلَّ-، وطاعة لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- واقتداءً به، فصلة الرحم سبب لرضوان الله -عزَّ وجلَّ-، وأحد أسباب دخول الجنة، وتدل على الإيمان بالله واليوم الآخر، وبها بسط في الرزق وطول العمر وتوفيق في الحياة وبركة في المال.